يعتقد البعض أن كرة القدم مجرد لعبة للفوز أو الخسارة، يقللون منها ولا يعطونها أي أهمية، مجرد شيء بسيط - وفي نظر البعض - تافه، لا يستدعي كل هذا الاهتمام الكبير. هؤلاء ينظرون الي الأمور من نظرة ضيقة للغاية، فيهم من يكره المستديرة من الأساس، وفيهم من يحسب الموضوع بشكل خاطيء، اختلاف الاراء شيء طبيعي وصحي لكن التحقير من ساحرة يعشقها الملايين بل المليارات علي وجه الأرض أمر غير مقبول .
يا عزيزي يا من تعتبرني أنا وأمثالي مجرد أشخاص يحبون شيء عادي لا يستحق كل هذا التقدير، اسمحلي أن أذكر لك وباختصار بعض الأمور التي - ربما - تقرب المسافات بيني وبينك، وتجعلك تنظر لي ولغيري ببعض الاحترام الذي تعيره الي رموز وشخصيات سياسية كارتونية لا تجيد شيء سوي اللعب بالكلمات والرقص علي الحبال .
في ألمانيا، ينتهي عمال المناجم في جليشنبرجن من أشغالهم الشاقة ويذهبون الي الملعب لتشجيع فريقهم المفضل شالكه، وداخل نفس المنطقة، يقف ثلاثون ألف مشجع من جماهير بروسيا دورتموند طوال المباراة لبث الحماس في نفوس لاعبيهم .
الأوكران تحدوا بطش الروس وسياسات الاتحاد السوفيتي القاسية بفريقهم الشهير، دينامو كييف قاهر الروس وزعيم الدوري السوفيتي بلا منافس. الرياضة حفظت للشعب الأوكراني كرامته طوال سنين ديكتاتورية صعبة .
بدايات الحرب الأهلية بين الكروات والصرب كانت بسبب مباراة بين دينامو زغرب وريد ستار بلجراد. انطقت الشرارة من داخل الملعب ثم وصلت الي جميع أركان السياسة والاعلام .
يوم الأحد من كل أسبوع هو العيد الرسمي للشعب البريطاني، الكل يذهب الي الملعب من أجل مشاهدة فريقه. يعرف التاريخ الاسكتلندي بالسير ويليام والاس والحاضر بالسير أليكس فيرجسون .
الديربي في مدينة جلاسكو ليس مجرد لقاء عادي، تتدخل النزعة الدينية في الأمور. الطائفة البروتستانتية تشجع نادي رينجرز، النادي الاقرب للقصر الملكي في باكينجهام، الطائفة الكاثوليكية تنتمي الي السيلتيك، الفريق المقرب من الأيريش الأيرلنديين .
تجد مدينة ميلانو مقسمة اقتصاديا في كل شيء، الأغنياء يشجعون انتر ومتوسطي الدخل من أنصار ميلانو، بيرلسكوني حصل علي شعبيته الكبيرة، ليس بسبب السياسة بل بسبب رئاسته لنادي ميلان .
أما في عاصمة الخلود، اليمين المتعصب يدعم لاتسيو بامتياز، بينما اليسار الاشتراكي من أنصار نادي روما. أعلام فلسطين حاضرة في مدرجات الرومانيستا، وتحية الفاشي دي كانيو لاعب لاتسيو من علامات الديربي .
اليوفنتوس زعيم ايطاليا وصاحب الشعبية الأكبر، مدينة تورينو حيث يتواجد النادي لا تشجعه بنفس القدر التي تشجع فيه النادي الاخر تورينو، تلك هي كرة القدم، الحب وسره الباتع .
لا صوت استطاع الوقوف في وجه فرانكو، الديكتاتور الفاشي الأسباني، الا الشاعر الأندلسي لوركا، والنادي الكاتلوني برشلونة. الفاشيست قتل أشهر شعراء أوروبا أثناء الحرب الأهلية. وقواته هاجمت كامب نو معقل برشلونة أكثر من مرة .
كاتلونيا دولة جيشها اف سي برشلونة، تحول الشعار الي واقع، البارسا مع أنصاره يهزمون مدريد بزعامة فرانكو، الفرحة تعم الاقليم، والمطالبة بالحرية والاستقلال شعارهم الرئيسي .
يطالب اقليم الباسك بالحكم الذاتي، قادت منظمة ايتا الانفصالية أعمال عنف كثيرة، لكن نادي أتلتيك بلباو واجه القضية بكرة القدم. فريق يعتمد فقط علي أبنائه، لا محترفين ولا أجانب، القومية الباسكية في أبهي صورة .
سكان الحي الفقير في بيونس أيرس لا يشعرون بالسعادة الا عندما يفوز البوكا، عندما أموت احرقوا جثتي وانثروا رمادها في البومبونيرا. تلك هي الرومانسية يا سادة .
سقراط فيلسوف كرة القدم، أول من طالب بحريات وديمقراطيات في بلاده البرازيل. اللاعب الكبير الذي رحل عن وطنه وذهب الي ايطاليا كاعتراض علي حكومة البلاد، سقراط توفي وبلاده من اقوي اقتصاديات العالم .
حظه كان أفضل من كابتن المنتخب الايراني السابق، عضو حزب توده الشيوعي، الذي تم اعدامه من قبل الحرس الثوري الايراني أوائل الثمانينات. في حملة استهدفت جميع المعارضين، سياسي وفني وكروي .
في أمريكا الشمالية، كرة القدم تأخذ بعدا اخر. هاجر المواطن السلفادوري الي هندوراس قديما، وبسبب مباراة كرة قدم بين المنتخبين، حصلت شبه حرب أهلية في هندوراس. سكان البلد الأصليين قاموا علي المهاجرين السلفادوريين وطردوهم من بيوتهم .
عاد أهل السلفادور الي وطنهم بعد تهجيرهم بسبب لقاء رياضي، أقيمت مباراة العودة في سلفادور وتم الاعتداء علي فريق هندوراس، المعاملة بالمثل والباديء أظلم .
حتي الان، هناك حساسيات بين البلدين، بسبب كرة القدم والصراعات القديمة .
رفاق المتوسط في أثينا يعانون من أزمات اقتصادية متكررة، حيتان الاتحاد الأوروبي لا يساعدوهم، كانت الفرحة الكبري للشعب اليوناني في 2004 عندما فاز الاغريق ببطولة أوروبا .
الأتراك يعانون من عقدة الوقوف في الوسط، لا شرق أوسطيون بنسبة خالصة، ولا أوروبيون بشكل كامل، اسمعي صوتنا يا أوروبا صوت الأقدام التركية، كان هذا هو شعار المنتخب التركي في يورو 2000 .
عربيا، تعتبر الأموال الخليجية عنصر أساسي في تحسين صورة الأمراء والشيوخ في أوروبا. البيزنس الاماراتي في مان سيتي، والملايين القطرية في باريس بفرنسا .
يمثل النادي الأردني الوحدات، معقل للشعب الفلسطيني في اماراة الأردن. بينما الشعب العراقي ينسي ويلات الغزو والتقسيم الطائفي عندما يفوز منتخب بلاده في منافسات كرة القدم .
يقولون في القاهرة أن أربعين مليون أهلاوي يشجع الأهلي المصري، بينما تفتخر جماهير الزمالك بشعارها الأبدي، سنظل أوفياء حتي تبتسم لنا السماء .
خلاصة الكلام، كرة القدم هي السر الذي يسيطر علي قلوب وعقول ملايين الناس. ستظل المعشوقة الأبدية لأجيال فقدت الثقة في كل ما حولها من متحدثين سياسيين واقتصاديين.
وستظل كرة القدم هي الاختراع الأكثر عبقرية الذي يضعنا جميعا في حالة صوفية خاصة بعيدة عن هموم وأحقاد ومشاكل الحياه .
جيبت من الاخر (Y)
ردحذف