سقراط برازيليرو سامبايو دي سوزا فييرا دي أوليفيرا، أو الدكتور سقراط أسطورة كرة القدم البرازيلية التي لن تتكرر. لاعب الوسط الكبير كان أحد نجوم النادي البرازيلي كورنثيانز، كرة القدم في أمريكا اللاتينية أهم من السياسة، وأقرب للناس من أي شيء اخر. البرازيل التي أصبحت الان من كبري الاقتصاديات العالمية، نسبة اللاعبين المحترفين خارجها أكبر من عدد الدبلوماسيين الذين يمثلوها في كل بلاد العالم .
بيليه أشهر نجم برازيلي علي مر التاريخ لكنه دائما في صف السلطة، عندما كان لاعب وحينما أصبح وزير للرياضة، كل واحد في حياته يختار طريقه وبيليه سلك المشوار السهل التقليدي. سقراط الطبيب الذي أنهي دراسة الطب وتفرغ لكرة القدم كان يملك رؤية ونظرة مختلفة في الحياة، يعتقد أن كرة القدم ليست فقط لعبة للمتعة بل وسيلة لتحريك المياه الراكدة وأداة لتحسين أحوال بلاده .
البرازيل في الماضي خضعت لحكم عسكري ديكتاتوري ساهم في تأخرها كثيرا، أحوال اقتصادية صعبة ونظام سياسي قمعي، تفرقة عنصرية وفروقات اجتماعية شاسعة بين أفراد الشعب الواحد. سقراط كان ينتمي للطبقة المتوسطة، تلك الطبقة التي تمثل غالبية الشعب المصري بالمناسبة، انحاز سقراط الي الشعب وتأثر بتربية والده، الرجل العصامي المثقف الذي كان يملك مكتبة كبيرة، تعلم منها نجم كرة القدم الكثير من الأمور التي افادته في مشواره .
فيسلوف كرة القدم اتبع رأي عمل علي تنفيذه، أن الرياضة هي البداية لتغيير الأحوال السيئة داخل بلاده البرازيل. مارس السياسة داخل كرة القدم، بدأ بتطبيق الحرية والديمقراطية مع فريقه. أجري انتخابات بين لاعبي الفريق لاختيار الكابتن والمتحدث الرسمي باسمهم، توقيت التمارين ومعسكرات التدريب، وصل بهم الأمر لارتداء قمصان عليها " شاركوا في انتخاب رئيس البلاد " سنة 1982 .
الطبيب السابق قاد حملة لمحاربة العنصرية في ملاعب كرة القدم، رغم اختلافه مع بيليه الا أنه دعم وجوده كوزير للرياضة كأول رجل أسود يتولي أعلي منصب رياضي في تاريخ البرازيل. سقراط في قمة مجده أيام الثمانينات وبعد كأس العالم في ايطاليا 1982، بالمناسبة المنتخب البرازيلي وقتها مثل أحد أعظم الأجيال الكروية في التاريخ. فريق لم يحصل علي بطولة لكنه ظل في الذاكرة، سأعيدها مرة أخري، كرة القدم خلقت للمتعة، ليست مجرد أرقام في الذاكرة .
سقراط ومع تفشي الظلم والديكتاتورية بالبرازيل، واجه النظام الشمولي وطالب مرة أخري باجراء انتخابات وتطبيق ديمقراطيات عادلة داخل البلاد، عندما أحس بعدم الاستماع لمطالبه، قام بخطوة أخري أكثر جرأة، قرر الرحيل عن البرازيل كاعتراض حقيقي ضد ظلم وقع علي شعب حر، غادر الي ايطاليا وسط حزن جميع عشاق كرة القدم بالبرازيل، سقراط حينما وجد أن الأمور لا تحتمل، قرر تصعيد الأمر وترك وطن يعشقه أكثر من نفسه .
الحكيم الرياضي كان يعلم جيدا أنه كالسمك الذي لا يقدر علي العيش خارج الماء، والماء بالنسبة له البرازيل لكنه ذاهب الي جنة كرة القدم في بلاد الطليان. بدأ مع فيورتينا وبالطبع لا يوجد وسط في العالم مثل سقراط، لكنه لاحظ أن كرة القدم بدأت أن تختفي وحل بدلا منها الفكر الرأسمالي، قرر مرة أخري العودة الي بلاده فالوضع سيء واللعبة أصبحت في خطر، لم تعد كالسابق خالصة للرياضة وتدخلت أمور أخري أفسدت ذوقها العام .
سقراط رفض عرض خيالي من الديكتاتور الليبي معمر القذافي للترشح كرئيس للبرازيل في التسعينات، الأسطورة يتمتع بشعبية جارفة وأرضية سياسية محترمة، النجاح أمر ليس بالصعب أمامه، فقط يحتاج الي حملة مالية ضخمة. القذافي عرض عليه الأمر لكنه رفض بشدة بسبب سياسات الليبي الظالمة في بلاده. للعلم فان هناك سياسيين اخرين ورؤساء كبار وصلوا الي حكم بلادهم ومن ثم قيادة العالم عن طريق أموال رجل مثل القذافي .
توفي سقراط ورحل عن عالمنا، انتقل الي عالم اخر والبرازيل وطنه من أكبر الدول التي تتمتع بحرية سياسية وانتعاشة اقتصادية في العالم. المستديرة ضمت أبطال علينا دائما أن نتذكرهم ونأخذ العبرة منهم. الرئيس البرازيلي السابق لولا نعي سقراط في كلمات، فقدنا رجل تسول حب كرة القدم، ساهم كثيرا في التطور الكبير الذي وصلت اليه البلاد، وداعا يا دكتور سقراط فنحن مدينون لك ولأمثالك بالكثير .
0 comments:
إرسال تعليق