جلست في انتظار المؤتمر الصحفي الخاص بتقديم بيب جوارديولا كمدرب جديد لبايرن ميونخ، فاجئنا الرجل بلغة ألمانية خالصة أثناء رده علي أسئلة الصحفيين بحضور رئيس النادي البافاري. تحدث بيب عن الموسم التاريخي لفريقه الجديد، ومدح المدرب السابق هاينكس، وعند سؤاله عن المباراة الودية المرتقبة بين بايرن وبرشلونة، أجاب بأنه جاء الي هنا - ألمانيا - نتيجة صنعه في برشلونة. هكذا يكون التواضع الذي يعبر بكل وضوح عن جانب مهم في شخصية المدرب الفائز .
تابعت اللقاء حتي نهايته وبدأت أتصفح المنتديات الرياضية والمواقع الاجتماعية من أجل قراءة ردود أفعال المتابعين والمشجعين، اتفقت الغالبية العظمي علي احترام تاريخ جوارديولا لكنهم شككوا كثيرا في مهمته القادمة، وكان السؤال الحاضر، ماذا سيصنع بيب مع فريق حقق الثلاثية ؟ وكيف سيضيف شيء وهاينكس لم يترك له أي فرص ؟
أعترف بأنها أسئلة منطقية، وبيب نفسه أثناء مقابلته مع سيزار مينوتي - مدرب الأرجنتين الفائز بمونديال 78 - أخبره بأنه قلق الي حد ما من تجربته الألمانية خصوصا" بعد الموسم التاريخي الذي قام به البافاري علي جميع الأصعدة، لكنه سيحاول أن يحافظ علي النسق العالي، ويضيف بعض الأشياء التي تجعل الفريق يستمر علي القمة الأوروبية والعالمية لعدة سنوات .
استمريت في عرض وجهات النظر المختلفة، وعدت بذاكرتي الي الوراء عدة سنوات، وشعرت بأن مشوار جوارديولا الملحمي يمر أمام عيني بكل ما فيه من لحظات فرح وحزن. وقفت أمام ثلاث محطات في مسيرة المتواضع الشجاع مع برشلونة، الأولي في عام 2009 وبالتحديد في ملعب مدينة الخلود، روما. وصل الأحمر والأزرق الي العاصمة الايطالية بعد فوزه علي مدريد بسداسية وتخطيه عقبة تشيلسي بهدف يأتي مرة كل مئة عام .
شارك انيستا وهو مصاب، لعب هنري مع الام شديدة في ظهره، واجه البارسا أقوي يونيتد في التاريخ حسب وصف السير أليكس فيرجسون، أشارت كل التوقعات قبل المواجهة الي أن فوز الفريق الانجليزي أمر منطقي. نادي بيب لاعبيه أثناء الاحماء قبل بداية المباراة بدقائق وطلب من مساعديه اغلاق باب غرفة الملابس ثم قام بتشغيل فيديو بسيط يضم أهم اللقطات المميزة لكل لاعب أثناء الموسم مع خلفية موسيقية لفيلم المصارع - راسل كرو بعنوان، الان وقت الحرية .
ضربات الأسباني محرر العبيد وقاهر الملك الظالم في العاصمة الرومانية القديمة، تواجه لمسات وانطلاقات لاعبي البارسا وهم يهزمون كل من يواجههم في ملاعب كرة القدم. حاول بيب الربط بين تحرير الانسان من خوفه وتحرر اللاعب من الضغوط الملقاة علي عاتقه. مشهد سيريالي جعلنا نشعر وكأننا في الساحة القديمة بروما ننتظر مكسيموس وهو يواجه الامبراطور الروماني، نجح بيب في تحويل كل لاعب كاتلوني الي مصارع يريد الانتصار في الأولمبيكو، جوارديولا جعلهم أحرار في روما !
الموقف الثاني الذي وقفت أمامه كثيرا أثناء استعادة الحكايات، خسارة برشلونة أمام ريال مدريد في نهائي كأس الملك بمدينة فالنسيا عام 2001. فعل البلاوجرانا كل شيء خلال تلك المباراة وكان الأقرب للفوز وتوقع الجميع ذلك، لكن هدف معاكس لرونالدو أنهي كل الأمال الكاتلونية وحول مسار الكأس الي ساحة السيبيليس في مدريد. حصل لاعبو الريال علي الجوائز وحمل كاسياس الكأس وانتظر الجميع خروج لاعبي برشلونة الي غرف الملابس لكنهم ظلوا في الملعب يشاهدون أفراح الخصم مع جماهيره .
اعتقدت وسائل الاعلام أن السبب في تلك الحادثة الغريبة، سوء تخطيط الاتحاد الأسباني وعدم تأمين الطريق لخروج لاعبي البارسا بعيدا عن أرضية الملعب. فاجيء مانيل ستياريتي - الذراع الايمن لجوارديولا والبطل الأوليمبي السابق في كرة الماء - الجميع وأخبرهم أن بيب هو من أمر لاعبيه بالاستمرار في الملعب ! نحن - والكلام علي لسان ستياريتي - فزنا بالكأس أمام بلباو ودوري الأبطال ضد مانشستر وشاهدنا بكاء لاعبيهم ففضلنا أن نبقي احتراما" لخصومنا السابقين فهم ليسوا أقل منا .
الحادثة الثالثة والأخيرة استضافتها ملاعب دولة الامارات العربية أثناء منافسات كأس العالم للأندية. سافر برشلونة الي أبو ظبي بخمس بطولات كاملة - ليجا، كأس، شامبيونز، سوبر محلي، سوبر أوروبي - وانتظر الكوكب باكمله حصول الكتلان علي البطولة السادسة وتحقيق أقوي رقم في تاريخ كرة القدم. واجه الفريق خصم أرجنتيني صعب المراس، تأخر البارسا حتي اخر دقيقة ومن رأسية لبيدرو، تغيرت الأمور ووصلنا الي الأوقات الاضافية .
فاز البارسا بهدف ميسي وحطم البطل المغوار كل التابوهات الكروية القديمة ووضع نفسه علي العرش العالمي وحيدا. وقتها بكي جوارديولا حرقة، لم تنجح محاولات لاعبيه في ايقافه. موقف غريب لرجل فائز أجبر وسائل الاعلام علي معرفة أسباب تأثره بهذا الشكل، أجاب بيب بأن فريقه وصل الي المجد، ولو خسر في مونديال الأندية، لنسي المشجعون كل ما فعلوه وتذكروا الانكسار الأخير فقط، لذلك انفجر البطل ولم يستطع الحفاظ علي هدوئه المعتاد .
انتهت بعض ذكرياتي مع مدرب البارسا السابق وقائد البافاري الجديد، عدت الي حياتي العادية وأنا أحمل مزيدا" من اليقين بأن هذا الرجل سيضيف شيء مختلف الي ميونخ، وسيفاجيء الجميع بثورة جديدة في كرة القدم لأنه صاحب مبدأ وفلسفة خاصة في اللعبة، ليس المهم أن تلعب كما يريد خصمك بل عليك أن تكون الفعل، وأن تسبقه وتجبره علي أن يكون رد فعل. انتهيت من كتابة تلك السطور وعدت الي عزلتي الاختيارية وكلمات منير ترن في أذني، سكة ماشية وعمر ماشي، لسه أجمل يوم مجاشي !
انتهي الجزء الأول من مغامرة بيب مع بايرن، وقريبا" سأتحدث عن الاضافات والابتكارات التكتيكية المنتظرة .
0 comments:
إرسال تعليق