مع تسريحة شعره الأقرب الي كلاسيكية الستينات الا أنه رجل يتحرك علي الخط كثيرا"، لا يتوقف عن اعطاء التعليمات طوال المباراة، عصبي أقرب الي الجنون في بعض الأوقات، تصرفاته لا تتفق اطلاقا" مع النظارة الطبية التي تزين وجه مليء بالتعبيرات المختلفة والروح التي تحرك الصخور. مقدمة لا بد منها للتعريف بالمرشح الأكبر لتدريب برشلونة، الأرجنتيني الثائر جيراردو مارتينو الشهير بـ " تاتا " .
حتي وان لم تشاهد مباريات كثيرة له، ستدرك فورا" أثناء الحديث مع كل من عمل معه أنه رجل صاحب فلسفة خاصة في كرة القدم، الضغط الغير طبيعي، عدم التقيد بالمراكز، اللعب المباشر والعمودي تجاه المرمي، الحصول علي الكرة، عدم فقدان بوصلة القيادة طوال التسعين دقيقة، انها مقومات تقودنا الي معلومة واحدة، أن تاتا هو بيلسا الجديد .
حينما قاد بيلسا فريق النيولز أولد بويز في مطلع تسعينات القرن الماضي، فاز الرجل ببطولة الدوري الأرجنتيني بجدارة ووصل الي نهائي الليبرتادوريس في انجاز كبير يحسب للفريق الشاب. كان جيراردو مارتينو أحد نجوم النادي الأرجنتيني والقطعة الأساسية في تشكيلة بيلسا، لاعب وسط قادر علي الاضافة الهجومية، يمتاز بذكاء فطري ورؤية مختلفة مع روح معنوية في عنان السماء، هناك مدرب خارج المستطيل واخر داخله .
" انه لاعب استثنائي، قماشة مختلفة، يفكر في كرة القدم طوال الوقت، رغم صغر سنه وقت أن كان لاعبا" الا أنه كان قائد الفريق والدينامو الذي يحرك زملائه، عند الفوز تجده لا يفرح بمبالغة وأيام الهزيمة يصر علي مواساة زملائه والشد من أزرهم." كانت تلك الكلمات هي وصف مارسيلو بيلسا لتلميذه النجيب تاتا .
انه واحد من هؤلاء الذين اتبعوا فلسفة بيلسا في اللعبة، مؤمن تماما" بالتركيز الشديد أثناء المباراة، التنقل، الحركة المستمرة، تناقل الكرة في لحظات، المداورة، استخدام كل ميزة تملكها في سبيل الفوز.
في عروض السحر، تظل الحركة الغريبة التي لا ينتظرها الجمهور هي الأروع، تُعرف بالبرستيج لأنها تأتي في وقت مفاجي. كذلك في كرة القدم، عليك أن تمزج مجموعة من الأفكار لتقوم بها في اسرع وقت ممكن، قرار يؤدي الي كرة قدم جذابة ومثيرة، تقوم علي الاستحواذ الايجابي واللعب المباشر علي المرمي .
" عندما تفقد الكرة، تحاول مع فريقك أن تضغط بكل ما تستطيع من عزيمة، تقرب المساحات وتتمركز في أقرب نقطة من مرمي الخصم حتي تمنع عنه التنفس وتخنقه تماما. أما في حالة حصولنا علي الكرة، فاننا نتحرك بخفة ونحاول أن نزيد من مساحة الملعب ورقعة اللعب من أجل مزيدا" من الحرية في خلق الفرص." تصريح لجيراردو مارتينو يؤكد وجهة نظره حول كواليس وخبايا اللعبة .
مدرب يجمع بين رؤية بيلسا التدريبية وأساسيب لويس فان جال في كرة القدم الهجومية القائمة علي الضغط والتمرير الايجابي، تضييق الملعب أمام الخصم وتمديده عند الهجوم، العصبية الشديدة في التعامل مع وسائل الاعلام، التأثر بأجواء المباريات، بكائه الشديد عند وصول الباراجواي - اثناء تدريبه لها - الي ربع نهائي مونديال 2010. باختصار هو شخص يعيش تفاصيل كرة القدم بكل جوارحه .
تاتا من مواليد روزاريو، المدينة الأرجنتينية مسقط رأس النجم الأسطوري ليونيل ميسي، لعب لفريق النيولز أولد بويز كميسي في بداياته. كرة القدم بالنسبة لسكان تلك المدينة أكبر من كونها مجرد لعبة، لك أن تتخيل شخص عشق المستديرة منذ نعومة أظافره حتي وقتنا الحالي، الشغف وحب اللعبة يفرق من مدرب الي اخر، لذلك فهو خيار مثالي لنادي مثل برشلونة، يُعرف عن عشاق هذا الفريق تعصبهم الشديد لتقاليد ناديهم، بروفايل يتفق مع توجهاتهم الكروية .
علي صعيد التكتيك، فان تاتا يتمتع بمرونة كروية في اختيار الطرق التي يبدأ بها المباريات، يلعب في بعض الأحيان بـ 4-4-2 وفي أوقات أخري 4-3-3، أي يحدد كل خطة وفقا" للمنافس وامكانياته. في كوبا أميركا 2011 مع منتخب الباراجواي، وصل بالفريق الي النهائي قبل أن يخسر من أروجواي، قدم مباريات كبيرة أمام البرازيل وفينزويلا وبقية المنافسين. اعتمد في تلك البطولة علي اغلاق وسطه جيدا" وتضييق الخانات أمام الخصم مع سرعة الهجوم الخاطف .
يجيد الرجل الاستفادة القصوي من المهاجمين، يلعب أيضا" بالمهاجم في خانة الجناح، توظيف نيلسون فالديز وروكي سانتا كروز في الكوبا أميركا كلاعبين علي الأطراف أجبر أظهرة الخصوم علي الاكتفاء بالدفاع وعدم التقدم الي الأمام. بينما في الوسط يعتمد علي لاعب ارتكاز دفاعي صريح وأمامه ثنائي وسط يلعبان في كل مكان بالملعب. في الدفاع تتحول الخطة الي 4-4-2 بعودة لاعب من الجناح المهاجم الي الوسط بينما اثناء الهجوم يكون الرسم التكتيكي أقرب الي 4-3-3 .
عندما يبالغ في التحفظ والدفاع فانه لا يعرف طريق الفوز، لعب في نهائي البطولة أمام أوروجواي بثنائي هجومي فقط، فانهزم بالثلاثة وقدم عرض سيء. قال بعد المباراة أن فريقه فعل ما عليه لكنهم افتقدوا الي التناسق مع نسق المواجهة. يعتبره الصحفيون في باراجواي، المدرب الأفضل في تاريخ الدولة التي عرفت طريق المجد الكروي أثناء وجوده علي رأس الادارة الكروية لها .
في كأس العالم 2010، وصلت الباراجواي الي ربع نهائي المونديال العالمي في انجاز غير مسبوق، كان الفريق قاب قوسين أو أدني من تخطي عقبة الاسبان والصعود الي السيمي فينال، ضربة جزاء ضائعة حطمت الفريق الشاب وفاز الماتدور بهدف خاطف غير مستحق من وجهة نظر الكثيرين. مباراة تلخص العمل الفني الجبار الذي قام به " تاتا " مع المنتخب اللاتيني، اللعب أمام أسبانيا مع استراتيجية 4-4-2 الحديثة التي تعتمد علي دخول الأجنحة الي عمق الوسط أثناء الدفاع، الباراجواي واجهت المنافس الشرس بأربع لاعبين في الوسط مما أدي الي خنق كلا من تشابي وانيستا بينما اكتفي ديل بوسكي بالفرجة مثلنا .
مارتينو كما قلت مسبقا" يلعب علي حسب امكانيات الخصم، لكنه لا يقطع الشعرة الفاصلة بين الدفاع من أجل الوقوف في الخلف فقط والدفاع مجبرا" حتي تجد اللحظة المناسبة للهجوم كما حدث بالمونديال الاخير. احراجه للأسبان والوصول الي مرمي كاسياس في أكثر من مناسبة يدل علي ذلك، حصاره لبطل أوروبا والعالم في مناطقه بعد هدف التقدم لفيا أدهش جميع المتابعين. البارجواي بتشكيلة لا تضم أسماء كبيرة قدمت عرض كروي متكامل الاركان ورغبة هجومية تُشكر عليها .
بالاضافة الي ولعه بالانطلاق الي الأمام والنظر نحو مرمي الاخرين. يقول عن كرته التي يقدمها انها علي اتساق كامل مع رغبات الشعوب، المتعة واحترام الجمهور بمثابة الغاية في النهاية. بعد عودته الأخيرة الي الأرجنتين مع نادي نيولز أولد بويز، حقق الرجل الدوري المحلي مع الفريق في مسابقة الـ Clausura والمركز الثاني في مسابقة الـ Apertura بعد أن كان بعيد كل البعد عن البطولات والألقاب خلال المواسم الماضية مع وصوله الي نصف نهائي بطولة أمريكا الجنوبية للأندية الأبطال .
بعد استقالة تيتو فيلانوفا المفاجئة، الاختيارات لن تخرج حسب الصحافة عن تلك الاسماء، بيلسا، فالفيردي، انريكي، بواش، وأخيرا جيرادو مارتينو الشهير بـ " تاتا". لذلك كانت تلك الكلمات مجرد تعريف بسيط بالرجل المرشح لتدريب الفريق الذي يحظي بأكبر اهتمام اعلامي وجماهيري خلال السنوات الأخيرة . تصريح مقتضب قاله المغامر في بداية توليه مهمة الأولد بويز، عبر فيه عن قلقه من تفشي اللعب الدفاعي الزائد عن الحد، والاسلوب العنيف الذي يضيع الفن الراقي للكرة.
النتيجة النهائية ليست كل شيء، كرة القدم أكبر من ذلك، من الممكن أن يقول البعض أنك فزت بنتيجة 2-1 وقدمت عرض سيء، بينما يقنعك الاخرون بأن المباراة كانت عظيمة، اهانة الجماليات أصبحت عنوان البعض ! عبارات بسيطة تحمل في طياتها الكثير والكثير من المعاني، تقودنا الي نهاية واحدة، أن هذا الرجل من الممكن أن ينجح مع برشلونة .
0 comments:
إرسال تعليق