• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 23 يوليو 2013

    test

    بمجرد خروجك من العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس، تسير بالسيارة علي ضفاف البارانا، ذلك النهر العميق الذي يمتد من جنوب البرازيل حتي الأرجنتين، وعندما تصل غربا" ستصبح علي مشارف روزاريو، المدينة التي أخرجت للعالم أرنستو جيفار، الطبيب الثائر الذي دفع حياته ثمنا" لحرية غيره. تدخل المدينة وتنظر الي وجوه العامة، ملامح تلقائية ووشوش طيبة علي طبيعتها، مجموعة من الصبية تلعب الكرة وعندما تسأل أحدهم، لماذا تبدو بهذا الحماس ؟ يجاوبك سريعا" بأنه يريد أن يصبح مثل ميسي، البطل الثاني لاحدي أهم معاقل الحرية في أمريكا اللاتينية .

    في خطبته الشهيرة بالأكاديمية السويدية عام 1982، تحدث الأديب العالمي " جابريل جارثيا ماركيز " بعد حصوله علي جائزة نوبل في الأداب عن عزلة أمريكا اللاتينية. استاذ الواقعية السحرية الذي فاجيء العالم بروايته الأشهر علي الاطلاق " مئة عام من العزلة " حكي بكل فخر عن وطنه وأهله وناسه أثناء تسلمه للجائزة رفيعة المقام. في روزاريو تجد البسطاء يفتخرون بثلاثة أشخاص، جيفارا وميسي، والنجم الجديد للصحافة العالمية والأوروبية هذه الايام، جيراردو مارتينو " تاتا ".

    تحدثنا في المقال السابع عن شخصية مارتينو وكرته التي يقدمها، بعد أن كان أحد المرشحين لتولي تدريب برشلونة، وبعد توليه المهمة رسميا" سنحاول تسليط الضوء ولو قليلا" عن طريقة لعبه وكيفية تطبيقها مع البلاوجرانا .



    في انجلترا يقولون أن روي كين هو تلميذ السير أليكس فيرجسون، بينما في كاتلونيا هناك تشابي هيرنانديز الوريث الشرعي لتركة بيب جوارديولا التدريبية، أما في الأرجنتين فالجميع يعرف حقيقة واحدة، أن مارتينو تاتا هو الابن المدلل للمعلم الخبير مارسيلو بيلسا، الرجل صاحب النظرة المختلفة في اللعبة التي تعتمد علي اللعب الي الأمام وتسجيل الأهداف الكبيرة، هي استراتيجية تعرف بـ " البيلساليزم " نسبة الي عرابها الأرجنتيني الذي أثر كثيرا" في الكرة الأوروبية حيث أننا نشاهد الان وخلال السنوات الماضية، المزيد من الأهداف وارتفاع المعدلات الهجومية لكل البطولات القارية والعالمية .


    يعتبر بيلسا هو المدرب الأعظم في تاريخ النيولز أولد بويز بينما مارتينو تاتا هو اللاعب الأهم والاشهر لهم علي مر العصور، اللاعب رقم 8 لعب كلاعب وسط هجومي في مركز أقرب الي انيستا مع برشلونة، يقول دوما عن تجربته " يجب أن تظل متسقا" مع مبادئك، نلعب في ظروف مختلفة وتحت ضغوط كبيرة، من الممكن أن تساعدك النتائج لكنك تظل حتي النهاية محافظا" علي مبادئك". دعونا نحاول الان معرفة طريقة لعب النيولز أولد بويز - محطته التدريبية الأخيرة - وماذا سيضيف الرجل الي العملاق الكاتلوني .



    يعتمد تاتا في لعبه علي الاستحواذ الايجابي والسيطرة الفعلية علي الكرة، الفرق في الأرجنتين تهاجم بأربع أو خمس لاعبين لكن الأولاد حينما يلعبون الي الأمام، يهاجم الثلاثي الأمامي مع لاعبي الوسط بالاضافة الي ظهيري الجنب، يجد الخصم نفسه أمام اعصار لا يتوقف، لذلك فرص الأولد بويز تصبح ضعف ما يأتي الي المنافسين. هنا سيبدأ البعض في السؤال - وهذا حقهم - هل سيصبح البارسا بنفس مشاكل الادارة الفنية السابقة ؟ الهجوم دون النظر الي الدفاع والخط الخلفي !


    هنا تاتا يلعب بشكل اخر، كعادة اللاتينيين في عصبيتهم وجنونهم، عندما تُخطف الكرة من فريقه، يعود جميع اللاعبين الي خط وسطهم بأسرع وقت ممكن. المهاجم الأساسي اوجناسيو سكوكو يلعب بمفرده في نصف ملعب الخصم وبقية زملائه في نصف ملعبهم. الارتداد السريع والتغير الكامل في أساليب المواجهة احدي أهم سمات تاتا التكتيكية، لا غرابة عندما نعلم أن خلال أول 15 مباراة بالدوري الأرجنتيني، دخل مرمي فريقه 6 أهداف فقط .


    يلعب تاتا علي الرسم التكتيكي بطريقة 4-1-4-1، رباعي دفاعي في الخلف، أمامهم ارتكاز عميق يستلم الكرة ويمررها مع الضغط علي حامل الكرة وقطعها منه، ثم رباعي اخر بمنطقة الوسط، لاعبين في العمق ولاعبين علي الأطراف، مع مهاجم صريح يسجل الأهداف ويعود للضغط علي دفاع المنافس. في حالة الدفاع، تتحول طريقة اللعب الي 4-5-1 بضم رباعي الوسط الأمامي الي الارتكاز العميق وعودة المهاجم الصريح الي نقطة أقرب الي خط منتصف الملعب .


    أما بوقت الهجوم، تتحول الخطة الي 4-3-3 صريحة، رباعي خلفي وضم لاعب الارتكاز الي ثنائي الوسط، مع اللعب بثنائي علي الأطراف كمهاجمين علي الخط بالاضافة الي المهاجم الصريح الذي يتحول لشغل دور الهداف داخل منطقة الجزاء. مرونة تكتيكية غير عادية وتبادل واضح بالمراكز، عدم التقيد بمكان معين وسرعة التنقل أثناء المباراة، سمات تحتاج الي تدريب شاق ولياقة بدنية مهمة وتلك القضية ستكون محور العمل الأول للجهاز الفني الجديد خصوصا" مع انخفاض لياقة نجوم البارسا بعد الموسم الماضي المليء بالأحداث الدرامية .



    بدون الضغط العالي لن يصبح تمليذ نجيب لبيلسا، وقريب من أفكار جوارديولا، ومتأثر بنهج فان جال. يطبق فريق مارتينو الضغط بشكل كامل في كل شبر بالملعب، يتحول الرباعي الخلفي ليغلق خط الوسط ويبدأ الضغط الشامل من خط المنتصف في جميع الاتجاهات، مع تحرك المهاجم أمامهم بشكل عرضي علي اليمين واليسار. أهم ما يريده تاتا التضييق علي لاعبي الخصم وعدم اعطائهم أي وقت ولا مساحة من أجل التمرير، مباغتة الفريق الاخر وحرمانه من بداية هجمة منظمة أو لعبة مرتدة سريعة .

    في بعض الأحيان يبدأ الضغط من أمام مرمي الخصم، وبعد خطف الكرة يجد الفريق نفسه في وضعية هجومية رائعة، خمس لاعبين في مواجهة أربعة فقط لذلك سجل الفريق الشاب بعض الأهداف عن طريق تلك المباغتة. نموذج طبقه جوارديولا مع البارسا خلال سنواته الأربعة، استعادة الكرة في أقل ثواني ممكنة، هي فكرة قائمة علي مقولة شهيرة لكرويف، " من المستحيل أن يخسر فريق يستحوذ علي الكرة ", لذلك يسير تاتا علي خطي بيلسا وبيب في ضرورة وأهمية الضغط العالي مع الاستحواذ .






    يُحكي أن والعهدة علي الراوي أن هناك فريق يُدعي النيولز أولد بويز تحول من مجرد فريق عادي الي أقوي أندية الأرجنتين وواحد من اباطرة الكرة اللاتينية في بداية التسعينات من القرن الماضي،
    بيلسا فاجيء العالم الأوروبي والعالمي بتكتيكه العبقري والمختلف 3-4-3 الجوهرة Diamond أثناء تدريبه للفريق الأرجنتيني .
    وقتها كمان نجم الفريق داخل الملعب هو تاتا مارتينو، لاعب الوسط الرابع في التشكيلة، النجم القادر علي اللعب بين الخطوط، تدور الأيام وتعاد الكرة من جديد، هذه المرة تاتا يتحول الي مدرب، تيتو يمرض ويرحل، كل المؤشرات تقود الي مدرب جديد، اسم مارتينو يلوح في الافق،

    يلعب تاتا مارتينو بنفس فكرة " اللعب المباشر العمودي " تجاه المرمي، يستلم الكرة لاعب الارتكاز من الدفاع، يمررها الي أحد لاعبي الوسط أو الي الأطراف. في حالة تقوقع الخصم في نصف ملعبه، تتحول الاستراتيجية الي مجموعة تمريرات عرضية أفقية بين الدفاع وحارس المرمي حتي يتم استدراج الخصم ووقتها يتحول اللعب من العرضي الي العمودي بتحرك لاعبي بين الخطوط الذين يجيدون التحرك والمراوغة وتحول اللعب، انيستا نموذج علي ذلك وتاتا في الماضي طبق هذا الدور أيضا.






    مدرب يعتمد بشكل أساسي علي التدريبات الشاقة واستخدام أكثر من طريقة لعب أثناء المباراة، التحول السريع من الدفاع الي الهجوم والعودة الصاروخية الي مناطقه حينما يفقد الكرة مع ضغط عير عادي، كلها عوامل تؤدي الي سحب القوة البدنية للاعبين. مشكلة واجهها في أخر ايامه مع النيولز أولد بويز، الفريق يُهزم كثيرا" في المباريات الأخيرة وهي نفس المشكلة التي واجهها برشلونة مع تيتو خلال الموسم الماضي .

    تاتا لا يعترف بالخطة البديلة، حينما يتأخر في النتيجة أمام الفرق الدفاعية، يعتمد علي مجموعة تغييرات أثناء المباراة لكنه لا يلعب بطريقة أخري. هي فكرة تتفق مع مباديء بيلسا وعقلية جوارديولا، الفريق الناجح لا يحتاج الي خطة بديلة، فقط مجموعة من التعديلات علي النموذج الرئيسي، كرة القدم ليست لعبة أرقام فقط، من الممكن ألا يفوز الفريق الأفضل بالمباراة، الغاية تكمن في العملية لا النتائج .


    يقول العبقري المنسي في كرة القدم" خوانما ليلو عن كرة القدم وعلاقة التكتيك باللاعبين، وهل دائما الخطة المحكمة دليل نحو الفوز في المباريات،

    " الهدف في الرحلة، العملية، المشروع، العمل المبذول. في سباق ما، أنت الأول لأميال واميال، وقبل خطوات من الخط النهائي، وقعت. هل ستقول أيها الصحفي، أني فاشل ؟ لقد جريت بكل قوة طوال الطريق. الموضوع أكبر من أنك جيد اذا فزت، وسيء اذا خسرت "
    " النتيجة مجموعة من البيانات، أنت تناقش العملية وليس النتيجة النهائية، النتائج لا تُناقش. هل أنت تذهب الي الملعب لمدة تسعين دقيقة من اجل مشاهدة لوحة النتائج في نهاية المباراة ؟ أم لكي تشاهد المباراة نفسها ؟ "


    تكتيكيا"، هل سينجح هذا الرجل مع برشلونة وهل أفكاره مختلفة مع التيكي تاكا ؟

    في البداية، التيكي تاكا ليست حكرا" علي بارسا، هناك منتخب أسبانيا يلعب بها منذ يورو 2008 مع أراجونيس قبل قدوم جوارديولا من الأساس. الفريق الذي يجيد الاستحواذ والسيطرة مع أكبر قدر ممكن من التمريرات الايجابية، بيب أضاف الي متعة التمرير قدرات غير عادية مع الضغط العالي علي المنافس لذلك شاهدنا فريق لا يُقهر الا في مناسبات معدودة. الكرة التي لعبها البارسا مع تيتو لا تمت للتيكي تاكا بصلة، هي مجموعة تمريرات سلبية لفريق يعاني من نقص اللياقة واصابات لا حصر لها .

    تاتا مارتينو أمامه مهام صعبة ليست سهلة، في الارتقاء بالمعدل اللياقي للفريق واستقدام بعض اللاعبين الذين يخدمون خطته، خافي مارتينيز كان خيار مثالي للبارسا هذه الايام كذلك تياجو ألكانترا لكن تم التخلي عن فكرة قدوم الأول ورحل الاخر. من الممكن أن يجد ماتشيرانو دور أكبر في منطقة الوسط كذلك سيحاول الفريق الاستفادة من سانشيز وبيدرو وتييو في سرعتهم وضغطهم علي حامل الكرة .

    ليس بالضرورة أن يلعب الفريق بمهاجم صريح أو لا، الفكرة ليست في المسميات بل في الانسجام، التناغم مفتاح مهم، ليس للفريق فقط بل للمنافس أيضا. المدرب الشاطر هو الذي يستفيد من كل امكانيات فريقه ويوظفها في المكان المناسب تبعا" للمنافس والظروف المعاكسة. أعتقد بأن تاتا سيحاول صناعة نموذج قريب من برشلونة 2008-2009 موسم الثلاثية، خط وسط سريع ومهاري مع أجنحة تجيد الضغط، تنوع في اللعب بين العمق والأطراف .

    التيكي تاكا لم ولن تنته، شاهدنا نسخة مطورة منها في البايرن مع الاستحواذ والضغط، ومن الممكن أن يضيف اليها المغامر الأرجنتيني مزايا جديدة في النجاعة التهديفية والتنقل السريع واللعب المباشر تجاه المرمي. المهمة معقدة وشيقة والجميع ينتظر ماذا سيقدم هذا الرجل، يبقي برشلونة هو المحطة الأوروبية الأولي لتاتا، معلومة أخري تزيد الأمور تعقيد لكنها تضيف بعد اخر الي متعة كرة القدم، علينا أن ننتظر ونري .


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    1 comments:

    Item Reviewed: test Rating: 5 Reviewed By: كوتشو
    إلى الأعلى