" أكن كل اعجاب وتقدير الي مارسيلو بيلسا، حينما نشاهد مباريات معاً، يقول لي دوماً، حينما لا تسجل أهداف، لا تنظر الي الأمام ولكن الي الخلف، الي خط دفاعك، لأنك لم تستطع بناء الهجمة بشكل سليم" هكذا يقول بيب جوارديولا في وصف العبقري مارسيلو بيلسا الذي يعتبر أحد أهم المجددين والمختلفين في عالم كرة القدم ز
بيلسا رجل مثالي جداً، في البيت وفي الحياة وفي كرة القدم، راديكالي متعصب لأفكاره، يلتزم بمبادئه حتي الموت. " في مرة من المرات، خسرنا بالخمسة وأنا أدرب الأولد بويز، عدت الي بيتي وأغلقت باب غرفتي وانخرطت في البكاء، جاءت لي زوجتي وحاولت أن تقلل من الأمر، وسألتي ماذا أنت بفاعل ؟ قلت والدموع لم تجف من عيناي، سأظل محافظ علي فلسفتي وسأهاجم ولن أتراجع " يقول مارسيلو عن نفسه أثناء تدريبه للفريق الأرجنتيني الذي وصل الي القمة تحت قيادته بعد ذلك .
عندما سئل السير أليكس فيرجسون لماذا لا يضم ارتكاز دفاعي، أجاب الرجل وقتها بأن كرة القدم تنظر دوما" الي الأمام، سيسك من نجوم البريمير ويعتبر وسط هجومي، انيستا وتشابي في كاتلونيا نماذج واضحة، حتي بيرلو يعود الي الدفاع لكنه قادر علي تحويل الكرة من الخلف الي الأمام. نحن لا نضم لاعب وسط دفاعي فقط، حتي روي كين لعب الي الأمام وكانت له ميول هجومية واضحة، ومن قبله براين روبسون، وبعده مايكل كاريك .
تشيلسي الموسم الماضي فاز باليوروبا ليج بثلاثي وسط هجومي وصانع لعب بقيمة ماتا، فريق يجيد الدفاع ويهاجم ايضا بتنظيم ومهارة. بايرن ميونخ حقق الثلاثية مع نسبة استحواذ وسيطرة غير عادية، أضاف لها الضغط العالي ليصبح الفريق المثالي. دورتموند هو الاخر يلعب بطريقة مباشرة وكرة قدم سريعة، يضم ثنائي وسط قادر علي تدوير الكرة مثل جيندوجان وبيندر. نهائي القارات بين منتخبين يلعبان بداعي الهجوم، البرازيل وأسبانيا .
الفرق الكبيرة تلعب الان باستحواذ أكبر، تمرير قصير، تمريرات كثيرة، دقة كبيرة في التسديد، اللعب في مناطق الوسط أكثر من الثلث الهجومي الأخير. نسبة العرقلة المشروعة - التاكلينج - قلت، وعدد المخالفات المحتسبة تنقص من موسم الي اخر. تغير قوانين التسلل وتمديد الملعب وزيادة مساحته أغلق الباب أمام اللعب العنيف وحل محله الكرة التقنية واللمسة الفنية. حتي الفرق التي تلعب بدفاع قوي واندفاع بدني، تهتم أيضا" بالتمرير المتقن وضم لاعبين قادرين علي نقل الكرة .
المدافع الان لا يخاف عندما يتم الضغط عليه من المهاجمين بل ينظر أولا" ثم يمرر الي زميله، أصبحنا نري لاعب الوسط يعود لشغل دور المساك، والمدافع يتقدم لكي يلعب في الوسط، مهاجم صريح ينتقل الي الجناح وجناح كلاسيكي يلعب كصانع لعب. " حتي لا يدخل فيك أهداف، عليك أن تمنع الخصم من الحصول علي الكرة،" تصريح شهير ليوهان كرويف حول التغيرات الطارئة علي اللعبة .
يقول بيلسا حول تلك الفلسفة، " أنا أعشق اللعب السريع والنقل الخاطف للكرة من مناطق الدفاع الي الهجوم، لا أعرف لماذا لكن من الممكن القول أني غير صبور، وأرجنتيني ! " كلمات يكررها الرجل منذ فوزه مع الأولد بويز بالدوري الأرجنتيني مطلع التسعينات، ثم الميدالية الذهبية الأوليمبية مع منتخب الأرجنتين، ومشواره الحافل مع شيلي ثم أتلتيك بلباو. بعد خسارته بطولتي الكوبا ديل ريه واليوروبا ليج، قال مارسيلو بأن كرة القدم لو كانت تدار اليا لكنت أنا المدير الفني الأفضل في العالم !
لاعب الوسط الذي يعود الي الخلف لكي يلعب دور المدافع، فكرة ليست من ابتكار جوارديولا كما يظن الكثيرون. بل يعتبر مارسيلو بيلسا من أوائل المدربين الذين لعبوا بتلك الطريقة مع تشيلي ثم أتلتيك بلباو. في مونديال 2010 لعب بيلسا بخطة 3-4-3 التي تتحول في الدفاع الي 4-3-3. ليست خطة كرويف أو فان جال بل أقرب الي رسم الجوهرة أو فيما يعرف باسم الدياموند. ثلاثي في الخلف وأمامهم أربعة في الوسط، يميل لاعب الارتكاز الدفاعي الي الدفاع عند حدوث هجوم مضاد .
" عندما تملك الكرة، تحاول أن تلعبها بسرعة الي الأمام، في اتحاه عمودي رأسي تجاه مرمي الخصم. اذا لم تستطع، عليك أن تصبر وتحتفظ بها، وتفتح مساحة حتي تكمل مهمتك . "
من أفضل الفرق التي تلعب كرة قدم مباشرة، دوتمورند كلوب، بورتو فيلاس بواش، كلوب وبواش ثنائي تدريبي لا يتفقا مع بيلسا، فان جال وغيرهما كثيرا" لكنهما يتبعان نفس النهج في تدوير الكرة، السرعة والخفة والمفاجئة في مباغتة الخصم .
الاستراتيجية القديمة في اللعب العمودي كانت تعتمد علي الكرات الطولية علي الطريقة الانجليزية، المدافع يرمي الكرة الي المهاجم. لكن الان اختفت تلك الفكرة وصار الفريق الذي يلعب بهذه الطريقة منبوذاً حتى من الإنجليز -مخترعو الطريقة- أنفسهم فقد بات ستوك سيتي مكروهاً وبات محبو الأندية الأخرى يعايرون أنصاره بطريقة لعبه التي أصبحت كالسُبّة.
واصبحنا نشاهد الفرق تحاول أن تستحوذ علي الكرة أولا" ثم تختار طريقة لعبها. كلوب هذا الموسم لعب بفكرة " العمودية " في الهجوم، الكرة تنتقل في ثواني من الدفاع الي الوسط ثم الهجوم، تمريرات قصيرة في أضيق المساحات وتحرك بدون كرة علي الأطراف وفي عمق دفاع الخصم .
سر في طريقك ودع الناس يقولون كما يشاؤون، مقولة شهيرة لليساري كارل ماركس، أخذها بيلسا وبدأ في تطبيقها في حياته الكروية. والان العالم بأجمعه يسير علي خطاه، فرق عديدة هجومية أصبحت تسيطر علي كرة القدم، ظهر مدربون جدد حصلوا علي كل الأضواء من المدربين الدفاعيين الذين يتعاملون مع كرة القدم وكأنها سلغة بدون روح .
بايرن ميونخ في ذلك الموسم لعب بضغط عالي وأسلوب دفاع خليط بين الدفاع المتقدم والخط الخلفي الثابت، الضغط يبدأ من ثلاثي
كرة القدم متشابكة ومترابطة، هناك اختلافات عديدة لكن يوجد خيط رفيع يربط بين أكثر من فكر ونهج. انتصار البايرن مع وجود منافسة من برشلونة ثم دورتموند، فوز البرازيل علي أسبانيا بالأخص في كاس القارات، حصول برشلونة ومانشستر علي بطولتي الدوري الأسباني والانجليزي، كلها دلائل علي أن الكرة الهجومية - علي اختلاف الأساليب والطرق المتبعة - هي التي تحكم اللعبة حتي الان، بالاستحواذ الايجابي واللعب المباشر تجاه المرمي، بأفكار أقرب الي بطل حديثنا الأخير، مارسيلو بيلسا .
0 comments:
إرسال تعليق