قدّم لويس إنريكي موسم جيد مع سيلتا فيجو في بطولة الليجا الأسبانية هذا الموسم، من فريق يواجه شبح الهبوط ويبتعد بفارق نقطة يتيمة في النهاية خلال الموسم الماضي إلى فريق آخر تماماً يأتي في المركز الثامن رفقة فالنسيا بعد السبع فرق المتأهلة إلى البطولات الأوروبية الموسم المقبل، والفوارق بين الموسمين عديدة من بينها لوتشـو، المدير الفني بكل تأكيد .
إنريكي صاحب شخصية متفّردة وقوية، منذ أيامه الأولى مع الكرة، لاعب يترك ريال مدريد بمحض إرادته وينتقل إلى عدوه اللدود برشلونة ليؤكد أن اللون الأبيض لا يطيقه بينما الأزولجرانا هو خياره المفضّل. يعود إلى البرنابيو في كل كلاسيكو، لا يهاب أحد، يتحدى الجميع، ويسجل أهداف لكي يحتفل بها أمام الجماهير التي تهاجمه، لذلك جاءت تسميته بالحرباء لتعبّر عن أعظم ما يميّزه وما يعيبه في نفس الوقت، الجنون والتناقض وعشق التحدي .
مشوار المدرب في التدريب لم يكن طويلاً، سنة ناجحة مع بارسا بي ثم مغامرة لم تكتمل في عاصمة الخلود روما، يعود بعدها إلى أسبانيا لكي يستريح قليلاً ثم يعود مع سيلتا فيجو خلال الموسم الماضي. وفي كل خطوة نلاحظ أسلوب تدريبي خاص وأفكار متحررة بعيدة تماماً عن أي قالب محفوظ أو مكرّر، لويس متأثر بمدرسة برشلونة لكنه يحاول دائماً صبغها بما يقتنع به ويريد تطبيقه داخل المستطيل الأخضر .
لعب سيلتا فيجو خلال الموسم الماضي بطريقة لعب 4-3-3، رباعي بخط الدفاع، ثلاثي بالوسط منهم إرتكاز متأخر، وثلاثي في الهجوم بينهم مهاجم صريح. لوتشو يعتّز كثيراً بناديه برشلونة وما تعّلمه في لا ماسيا لكنه في النهاية يضع بصمته الخاصة ويبتعد عن فكرة المهاجم الوهمي مقتنعاً بوجوب تواجد مهاجم سريع في الخط الأمامي، يسجل الأهداف ويصنعها ويبدأ الضغط من الثلث الهجومي .
ثنائي الأطراف في تشكيلة إنريكي أقرب دوماً إلى الأجنحة المقلوبة التي تعرف بالـ Inverted Wingers أي لاعب مهاجم يلعب على الطرف، إذا كان يلعب باليسار فإنه يتمركز على اليمين أما إذا كان لاعب أيمن فإنه يتمركز أكثر على الجناح الأيسر. فعلها من قبل مع لاميلا على اليمين، أوزفالدو على اليسار في روما، وكررّها هذا الموسم مع السيلتا بنوليتو وأوريلانا .
منطقة الإرتكاز كالعادة تضم لاعب متأخر، محور يلعب أمام الدفاع وخلف الوسط، المركز الذي إخترعه فيكتور ماسلوف في الستينات بطريقة لعب 4-1-3-2 ثم طوّره جوارديولا بتصعيد بوسكيتس واللعب به في طريقة 4-3-3. لوتشو يلعب بنفس الإرتكاز لكنه يهتم أكثر بالجانب اللياقي والشق الدفاعي لهذا اللاعب .
بينما يلعب في الوسط ثنائي متحرك سريع قادر على الجري بالكرة والإختراق، لذلك تتحول طريقة اللعب إلى ما يشبه 4-1-2-3 بتواجد ثنائي الوسط على اليمين واليسار أمام لاعب الإرتكاز المتأخر، وخلف الثلاثي الهجومي الصريح .
يعتبر إنريكي من هواة اللياقة العالية والضغط القوي داخل الملعب لذلك يستخدم في الغالب خط وسط قادر على الحركة والتنقّل بين الخطوط. لاعب من الوسط يصعد إلى الهجوم لكي يصبح هناك رباعي يضغط على حامل الكرة وتتحول طريقة اللعب إلى 4-2-4 بتواجد ثنائي في منطقة الإرتكاز وصعود أربع لاعبين في الثلث الهجومي الأخير .
ومن الضغط الراديكالي الأمامي إلى التمركز في منتصف الملعب بصعود المهاجم الصريح رفقة الجناح إلى الأمام مع تحول واحد من الجناحين إلى الخلف قليلاً ليصبح لاعب وسط ثالث، وهنا تصبح طريقة اللعب أقرب إلى 4-1-3-2 أي الضغط بأربع خطوط داخل الملعب 4 Bands من أجل إغلاق المساحات بين الخطوط .
وفي الحالات الدفاعية، يتحول ثنائي الأجنحة إلى منطقة الوسط ليصبح هناك رباعي كامل أمام لاعب الإرتكاز بينما يبقى المهاجم الصريح وحيداً أعلى دائرة المنتصف لتتحول طريقة اللعب إلى 4-1-4-1 أو 4-5-1 صريحة .
يعتبر فريق سيلتا فيجو هذا الموسم من الفرق الهجومية التي تلعب بإستحواذ وسيطرة على الكرة، ورغم أن الفريق يعتبر بعيد عن الفرق الكبيرة أو المتوسطة بالدوري إلا أننا كما نلاحظ من الرسم السابق، قد تعدى نسبة الـ 50 % سيطرة على الكرة خلال مباريات عديدة في الموسم، ولم يبتعد عن هذه النسبة إلا أمام الفرق الكبيرة التي تنافس على البطولة المحلية الأسبانية .
الفريق وصل إلى متوسط إستحواذ على الكرة يصل إلى 52 % كذلك إعتمد إنريكي على التمرير وتدوير الكرة Ball Circulation في منطقة الوسط، الفريق ككل يعتمد على نسبة تمرير 70 %، 66 % تمرير إلى الأمام، مع عدد تمريرات قصيرة تتعدى الرقم 11000، أي في النهاية إنريكي من المدربين المقّرين لأهمية الإستحواذ والتمرير في اللعبة .
" من يعرفني سيدرك أنني من عشاق الهجوم ومحبي الكرة الجميلة، نريد أن نلعب بإستحواذ عالي لكن مع سرعة، العبرة ليست بالإستحواذ ولكن في تطبيقه من أجمل تسريع رتم الأداء والوصول إلى ديناميكية مناسبة " هكذا يؤكد اللوتشو في كل حوار يتحدث خلاله .
الإستحواذ والتمرير أمر مهم لكنه في النهاية وسيلة وليس غاية لذلك يجب أن يقترن بالسرعة والتحرك بدون كرة. بيب جوارديولا يؤكد هذا الكلام بعد هزيمة بايرن أمام الريال ويقول أن المشكلة ليست في الحيازة ولكن في كيفية تطبيقها. طبعاً خرجت أصوات تشبه " اللجان الإلكترونية " تعيد وتكرر بعض الكلمات الخاصة بالملل وخلافه وكأنهم إنتظروا أول سقطة للبيب من أجل إخراج شحنات الكبت والحقد التي بداخلهم - هذا ليس بكلامي ولكن تصريح لسانتي كاثورلا اليوم - ولكن في النهاية الكرة الهجومية بريئة براءة الذئب من دم إبن يعقوب من سقوط فريق بافاريا الأخير أمام الملكي المدريدي .
ومن أهم مباديء الإستحواذ والهجوم أن تملك خط وسط قادر على التحرك بكرة وبدونها، وسيلتا فيجو مع إنريكي إمتلك لاعب شاب يستطيع التحول من الوسط إلى الهجوم بسرعة وخفة يحسد عليها، إنه ألكانترا الصغير، رافينيا الذي يمتاز بخاصية إشتهرت بها فرق لوتشو كثيرا، الإختراق الطولي أو الـ Penetration .
رافا يعتبر بمثابة الـ Central Outlet الذي يستطيع إضافة كرة عمودية Vertical Play من عمق الملعب بينما يتكفل نوليتو بإضافة اللعب المباشر السريع على الأطراف Winger Outlet. السرعة كفيلة بتحويل الإستحواذ من جانبه السلبي في بعض الأحيان إلى جانب إيجابي فعّال .
الفريق يؤدي هجومياً بشكل مميز لكنه عانى دفاعياً بشكل كبير خلال الموسم الماضي، سيلتا فيجو لم يضبط خط دفاعه أثناء المرتدات، كانت نقطة الضعف الكبرى هي المساحات في وبين الخطوط خصوصاً بين رباعي الدفاع ولاعب الإرتكاز لذلك دخل مرماه أهداف عديدة من هجمات مضادة كذلك بسبب سوء الإرتداد من جانب لاعبي الوسط .
مشكلة أخرى خاصة بتقدم الأظهرة هجومياً إلى حد كبير، وبسبب ذلك تواجدت فجوات واضحة في منطقة أسفل الأطراف Down Flanks لذلك فإن أكبر منطقة سجل منها الخصوم كانت أسفل الأظهرة سواء على اليمين أو اليسار، ولنا في الـ 54 هدف داخل شباكهم هذا الموسم خير دليل .
في النهاية بعد التركيز على إيجابيات وسلبيات سيلتا مع اللوتشو، فإن الفريق بشكل عام قدم موسم إستثنائي وخطف مركز متقدم بالنهاية. قدّم كرة هجومية، سريعة، ممتعة في معظم المباريات. ركّز على السيطرة والتحكم في تيمبو المباريات، لعب على إستحواذ الكرة مع مسحة مباشرة سريعة تتمحور في نقل الكرات من الخلف إلى الأمام بشكل خاطف مع قدرة على الإختراق الطولي من العمق والعرضي من الأطراف .
تقييم الفريق هجومياً : 8 - 10, تقييم الفريق دفاعياً : 6-10, تقييم الفريق ككل : 7 - 10 .