الدينامو, الرئة, المحرك, المكوك, الجندي المجهول, ألقاب عديدة نالها أصحاب هذا المركز...
كرة القدم هي دائما أكثر من كونها مجرد لعبة, من الممكن أن نتفق أو نختلف حول تلك المقولة لكننا في كل الأحوال لا نستطيع أن ننكر مدي الشغف والمتعة التي تصنعها تلك المستديرة في قلوب الملايين حول العالم .
كل شيء يتطور وقابل للتغيير, السياسة كل يوم علي شكل ولون, نظريات وقوانين العلوم تفاجئنا بالجديد, الأحوال تتبدل وكرة القدم تحولت مع مرور الوقت الي صناعة مربحة وعلم يُدرس في مختلف الجامعات والأكاديميات, فاللعبة أخذت بعدا اخر وأصبحنا نشاهد فنون جديدة وتشكيلات تكتيـكية مختلفة لا تقل في دهائها عن خطط الحروب .

الدينامو, الرئة, المحرك, المكوك, الجندي المجهول, ألقاب عديدة نالها أصحاب هذا المركز علي مر التاريخ, لاعبين عظام أبدعوا فيه ووجدوا أنفسهم عن طريقه, نجوم كبار بدأوا خلاله ثم انطلقوا الي أدوار هجومية أخري داخل الملعب, الحديث عنه سيطول سواء عن لاعبين محليين أو عالميين تألقوا وصنعوا اسمهم , لكننا في تلك السطور سنتحدث عن الثورات الأخيرة التي حدثت في مركز الارتكاز خلال العشرين سنة الأخيرة .
اشتهرت أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي بفريق يمثل علامة في اللعبة, ميلان اريجوساكي, الحاصل علي بطولتين شامبيونز متتاليتين بجدارة واستحقاق, استقدم المدرب الايطالي فرانك ريكارد الذي لعب في مركز الدفاع مع أجاكس الهولندي واشركه جنبا الي جنب مع الايطالي كارلو أنشيلوتي ليشكلا معا ثنائي مميز حمل وسط فريق الأحلام الميلاني علي عاتقه وأعطي الراحة والانطلاق لدونادونيوخوليت والعبقري ماركو فان باستن .

بدأ العمر يلعب لعبته مع ريكارد, ولم يحصل علي حقه في النقد والثناء كـغيره من اصحاب الأدوار الهجومية ومسجلي الأهداف وظل هو اللاعب الذي يعرف أهميته المدرب فقط مع ارتفاع أسهمه عند تقديرات الجماهير, في تلك الفترة من أوائل التسعينات ظهر لاعبون اخرون في هذا المركز الحساس,
بيب جوارديولا في أسبانيا, ديمتري ألبرتيني في ايطاليا, دونجا في البرازيل, نجوم اضافوا كثيرا لـ اللعبة,كرويف في برشلونة صنع الدريم تيم علي أكتاف جوارديولا, اللاعب الصغير صاحب الجسم الضئيل الذي بدأ كرة القدم وسط شكوك حول استمراره فيها نظرا لضعفه, بيب وعن طريق كرويف أضافا بعدا اخر لمركز الارتكاز, العقل المدبر والمهندس الذي يقود الفريق ويعوض الناحية البدنية بالفكر التكتيكي الراقي والتمريرات الحاسمة .

ألبرتيني في ايطاليا اعتمد عليه كابيلو كثيرا بعد رحيل ساكي وكبر سن الهولنديين في ميلان, لاعب ذكي لا يهدأ ولا يكل, يملك نظرة في الملعب وتلك النظرة كانت هي كلمة السر في هذا المركز خلال حقبة التسعينات, دونجا هو الاخر كان تكتيكيا بامتياز, لاعب لا يشعر بأهميته أحد الا كارلوس ألبرتو بيريرا في مونديال أمريكا 94 عندما حصلت البرازيل علي البطولة بانضباط خططي ودون لمسة جمالية معتادة .
ظل مركز الارتكاز علي هذا النحو, الذكاء التكتيـكي والتمريرات الدقيقة ونائب المدير الفني داخل
الملعب, حتي جاء مونديال 98, هنا انطلق شيء جديد لهذا المكان, باتريك فييرا قدم نفسه للعالم من خلال تمهيده للهدف الثالث لبيتيه في مرمي البرازيل ومشاركته كبديل في المباراة النهائية, بعدها انطلق الفرنسي صاحب الاصول السنغالية ليضع صفات جديدة لهذا المركز أهمها القوة الجسمانية الرهيبة, واللياقة البدنية العالية, أصبحنا نري روي كين صاحب الأربع رئات في مانشستر, روي كين يلعب منذ فترة كبيرة لكنه ظهر اعلاميا بشكل أكبر بعد تحول لاعب الارتكاز الي قاطرة بشرية لا تهدأ ولا تمل .

ميكاليلي في ريال مدريد هذا اللاعب القوي الذي كان بمثابة صخرة صلبة للجلاكتيكوس في العاصمة الاسبانية, بيريز لم يقدره ماليا فرحل عن النادي ليبدأ بعدها انهيار الفريق الملكي, وهنا تظهر أهمية الجينات الجديدة التي اضافها لاعبون امثال فييراوميكاليلي وغيرهم, أن جمهور كرة القدم والاعلام أصبحا يهتمان بهم وليس فقط الجالسون علي الدكة خارج الملعب .
حدثت تعديلات بسيطة في الارتكاز, واشتهر جيرارد في الأنفيلد والملاعب الانجليزية كذلك الغاني مايكل ايسيان في تشلسي واخرون, لكن ارتبط الارتكاز في تلك الفترة بالقوة البدنية والتسديدات الصاروخية, مجهود بدني وافر ولياقة من حديد, لذلك ظهر وتألق اللاعبون الأفارقة في هذا المكان خصوصا في الدوري الانجليزي الذي بدأ يسحب البساط من الليجاالأسبانية بعد سيطرة البارسا والريال فقط علي البطولة والكالشيو الايطالي بعد الفضائح والمراهنات الشهيرة .

انطلق بيب مع برشلونة بصورة خيالية , سنعطي هذا الفريق حقه حتما عندما نتحدث عن أعظم فرق كرة القدم بالتاريخ, لكننا الان سنلقي الضوء فقط علي وجهة نظر بيب جوارديولا في الارتكاز بالفريق, توريه الايفواري العملاق كان يشغل هذا المركز في البارسا, لاعب قوي وسريع ويمتاز أيضا باللمسة الفنية الجميلة لكنه لم يخرج عن التقاليد السائدة عن الارتكاز في تلك الفترة .
قام جوارديولا بتصعيد ناشيء صغير يدعي بوسكيتس, لم يعرفه أحد وقتها ولم يدرك اي متابع أن هذا اللاعب الشاب سيكون صاحب الخطوة التي غيرت كثيرا في مفاهيم اللعبة بالعصر الحديث, استمر بيب في الجنون ولم يكتفي فقط بتصعيد بوسكيتس بل أيضا اشركه علي حساب توريه شيئا فشيئا, في روما وأثناء النهائي الشهير في عام 2009 بين برشلونة ومانشستر, غاب رافييل ماركيز وداني ألفيش, لعب بويول كظهير وكان أمام جوارديولا خياران في مركز الدفاع الي جوار بيكيه, اما توريه أو بوسكيتس, واختار بيب توريه كمدافع وبوسكيتس كارتكاز .

تألق بوسكيتس كثيرا في مكانه, أضاف كثيرا لهذا المركز, لاعب خفيف, ذكي, مهاري, صاحب لمسة بديعة, وعقلية كروية جبارة, يوجد جوارديولا علي الخط وبوسكيتس في الملعب, كانت هذه احطي خلطات بيب السحرية لصناعة جيل لن ينسي في تاريخ كرة القدم,جوارديولا لم ينس اطلاقا خروجه من الفريق بشكل مهين, لم يجد نفسه في ايطاليا بالشكل الكافي وانتهي به المشوار في قطر ثم المكسيك .
الرجل صاحب المبدأ الذي لا يتجزأ وجد في بوسكيتس نفسه, أبعد توريه الذي يمثل امتداد فييرا,ميكاليلي, كين,ايسيان, ديارا, وغيرهم, وجاء بسيرخيو الذي أعادنا الي كلاسيكية التسعينات لكن
مع اضافات عديدة صنعت منه لاعب ارتكاز من الطراز الفريد, ميكس غريب بين الكرة الجميلة والعقلية التكتيـكية المحكمة, لذلك حصلت اسبانيا علي كاس العالم 2010 وهي تملك ارتكاز وقفت أمامه الكرة كثيرا, وفاز بارسا بيب بدوري الابطال مرة ثانية في ويمبلي عام 2011, هناك أسرار عديدة للنجاح لكن بوسكيتس سيظل علامة مميزة أضافت لكرة القدم وليس للارتكاز فقط, طابع خاص !

الثورات لن تتوقف, ومثلما ظهر ريكارد ومن بعده جوارديولا, ثم فييراوميكاليلي وتوريه, أتي بوسكيتس وسيأتي بعده غيره, وستظل كرة القدم هي الاختراع الأكثر عبقرية الذي يضعنا جميعا في حالة صوفية خاصة بعيدة عن هموم وأحقاد ومشاكل الحياه .
0 comments:
إرسال تعليق