لماذا تفضل الإقامة في إسبانيا، على العودة إلى بلدك الأرجنتين؟
الإجابة السريعة هي: بسبب بنتي، بسبب زوجتي، لأن أهلي يعيشون هنا، ولكن إذا أردت إجابة صادقة عن تحمل العيش في الغربة، ذلك لأنني على بعد أربعين دقيقة فقط بالسيارة من الذهاب إلى أعظم كرة في تاريخ اللعبة.
وبصراحة، إذا سافرت زوجتي وبنتي اليوم إلى الأرجنتين، سأظل هنا في كاتلونيا، على الأقل حتى نهاية الدوري، وحتى نهاية دوري أبطال أوروبا، لأنني أفضل أن أكون قريب من هؤلاء السحرة الذين يمارسون الكرة بشكل محبب.
أكتب هذا الكلام وميسي يسجل ثلاث أهداف مع الأرجنتين، خمس أهداف مع بارسا في الشامبيونز، وهدفين في بطولة الدوري، 10 أهداف في ثلاث مباريات في ثلاث بطولات مختلفة. الصحف لا تتحدث في أي شيء آخر إلا ميسي، أما أنا فأستمر في مشاهدة الفيديوهات الخاصة بليو، والغريب أنني لا أمل من كثرة الإعادة لآلاف المرات،
والأغرب أنني لا أشاهد فيديو خاص بأهدافه، أو أسيستاته، أو لقطاته المهارية، بل لأجزاء من تعرض ميسي للضرب، وإستمراره في اللعب دون توقف، يتلقى ميسي ضرب وخشونة، ويُكمل إنطلاقته بالكرة. لا يفكر في ضربة جزاء أو في مخالفة، ولا يقوم بضرب اللاعب الخصم، بل يركز بكامل تفكيره ونظرات عينه على الكرة فقط، لا المنافس ولا الملعب ولا أي شيء آخر.
يحصل ميسي على الكرة، يعاني من عنف بأنكل القدم لكنه لا يتوقف، يقوم الخصم بشد قميصه ويستمر الرقم 10 في المضي نحو هدفه. كرة القدم هذه الأيام تدور كثيراً حول الحصول على ضربة جزاء، أو إجبار اللاعب المنافس على تلقي إنذار أو طرد، ويبدو لي أن ميسي لا يهتم ابداً بتلك الأمور والأجزاء، ويلعب كرة قدم خاصة به هو فقط.
# ميسي هو الكلب
ركز في عين ميسي، إبتعد عن كافة المؤثرات الأخرى، ستلاحظ وكأنه ينظر إلى الكرة وكأنها ملكه، مثل الطفل الذي يركز فقط مع لعبته، لا يهتم بأي شيء آخر ولا يبالي بكل التفاصيل الأخرى.
وكلما أشاهد ميسي أتذكر "تونين"، وتوتين هو الكلب الخاص بي، وصديقي الصدوق في أيام الطفولة التي لن تتكرر.
الجميع في المنزل وصف توتين بالكلب الغبي، وذلك لأنه وقف يشاهد اللصوص داخل المنزل ولم يفعل شيء، وتركهم يخرجون ببعض المسروقات دون رد فعله. ولكن حينما يمسك أحد من أفراد البيت إحدى القطع الإسفنجية الصفراء الخاصة بتنظيف الأطباق، يجن جنون توتين، وينطلق بأقصى سرعة من أجل خطف القطعة.
قمت بعد ذلك بتجربة بسيطة، أمسكت بيدي القطعة الإسفنجية وبدأت في تحريكها من اليمين لليسار والعكس في حركة سريعة جداً، والمثير أن توتين يتحرك بنفس السرعة تجاه القطعة دون تعب أو ملل. وإكتشفت بعدها أن توتين ليس كلب غبي، بل ذكي، وحاد الذكاء، لكن في حدود الأشياء التي يحبها ويرغب فيها، لذلك لو سرق اللصوص القطعة الإسفنجية، لإنطلق نحوهم دون توقف، لأنه سريع وقوي ومتفوق -حينما يريد-.
وحينما شاهدت الفيديو الخاص بميسي اليوم، الذي ينطلق بالكرة دون توقف ودون إهتمام بكل ما يحيطه، إكتشفت أن ميسي يشبه توتين، ميسي يشبه الكلب، ميسي هو الرجل الكلب، ميسي هو أول كلب في التاريخ يمارس كرة القدم!
الكلب لا يهتم حينما تمر سيارة بجواره، ولا ينظر بعين الإهتمام إلى حدث مهم بالشارع الذي يتواجد فيه، ولا يشتكون ويبكون إذا هربت قطة منهم، واللاعبون قديماً في بدايات الكرة مارسوا اللعبة على طبيعتها الأولى، بدون مصيدة التسلل، وبدون ضربات جزاء، وبدون كروت صفراء أو طرد، كرة قدم من أجل كرة القدم.
هؤلاء الناس القدامي لعبوا كرة القدم على طريقة ميسي، وتصرفوا في الملعب على طريقة توتين، بدون مساحيق، بعيداً عن أي مؤثرات، أو قوانين. أما الآن، فبعد أي مباراة مهمة، يتحدث الناس عن التحكيم عشرة أضعاف حديثهم عن كرة القدم.
هل اللاعب إكس حصل على الكرة دون تسلل، هل الحكم قام بإحتساب هذه المخالفة، هل فعلاً الهدف الثالث جاء بضربة رأس أم لمسة يد، وهل المباراة أقيمت في ظروف أفضل، كلها أسئلة يتم قتلها بحثاً بعد كل لقاء كبير. ولكن يا سيدي الكلام لا تهتم بهذه الأمور، كل هدفها الحصول على الإسفنجة من أجل اللعب بها والنوم عليها آخر الليل.
ميسي هو ذلك الكلب، الذي يبحث فقط عن محبوبته، عن كرة القدم، في ظل بحث الآخرين عن الأمور الأخرى، عن القوانين، عن المظاهر، عن الشكل، عن المراوغة، عن التسديدة، عن كافة هذه الأمور.
# أصل الكرة ميسي
داروين يقول أن القرد هو بداية تكوين البشرية، والطفل الصغير المعاق القادم من روزاريو، قام بتغيير كافة خرائط اللعبة، لا يفقه في أي شيء آخر، فقط يحب الكرة، وينطلق بها.
ميسي سجل في مباراة خمسة أهداف، يقول جوارديولا أنه سيسجل ستة في المباراة القادمة إذا أراد. لذلك ميسي مريض! نعم هو مريض، مريض بعشق المستديرة، وإنه نفس المرض الذي إنتقل لي، قديماً مع توتين والآن مع ليو، وفي كل سبت أذهب إلى الملعب من أجل تلقي المصل الذي يجعلني أستمتع أكثر بالمرض، لأ أبتعد عنه.
وهذا السبب فقط، هو من يجعلني أرغب بالعيش في برشلونة، وليس في أي مكان آخر!
أنا فخور بميسي، فخور بكل لحظة شاهدت فيها ميسي. سيأتي يوم وأقابل مجموعة من الناس القدامى، أتذكر لحظات الطفولة واسترجع ذكريات الماضي، ما أجمل النوستاليجا وما أحلى الحنين إلى البدايات، وحيما أقابل هؤلاء الناس:
سيقول أحدهم، لقد درست في أمستردام عام 1979، أما الآخر فسيقول بأنه كان مهندساً في ساو باولو عام 1962، والثالث كان مراهق في نابولي عام 1987، أما والدي فسيقول بأنه سافر إلى مونتيفيدو عام 1967، وصديقه كان في نهائي الماراكانا عام 1950، كلهم يتفاخرون بما حققوه، حتى جاء دوري وقلت:
أما أنا فقد عشت في برشلونة خلال حقبة الرجل الكلب، وشاهدت ميسي عن قرب، وإستمتعت به حتى آخر لحظة في مسيرته. وقتها فقط إنخفضت الرؤوس وسمعت صوت قادم من بعيد هامساً، أنت فقط الناجي! أما البقية فلهم ما لهم وعليهم ما عليهم.